تغرينى اخت جدتي بالكتابة عنها وهى تقف شامخة متمردة تعتز بلونها الداكن تتباهى بعينها شبة المكسورة مجردة شعرها من جماله تاركه اياه سافراً مهووشاً لا تأبه كثيراً بالجمال حولها ولا بالعقل المتزن الذي يأنس الناس به ويطلبون وده.. تنكسر عندها الحدود فتحررها اكثر من المفروض والعيب والواجب فتظل بتمردها أعجب ما رأيت في بيت جدتي.. كانت مثيرة للعجب حين لم تطير فرحاً بهذا الرجل المهيب الذي ينتمى الي كبار العائلات وأغتاها وقد استطاع أباها ان يزوجها اياه بديلاً عن اختها المتوفاة ورغم ان تمردها لم يستطع الوقوف في وجه ابيها إلا انها دخلت بيت الرجل وهى تنوى الخروج منه سريعاً.. لقد عرفت ان الرجل تزوجها محرجاً فلم تقبل ان تعرض مواهبا عله يتقبلها. لم يرى منها إلا اعراضاً فزاده ذلك نفوراً فخرجت من البيت قبل ان تضع حملها.. تلك الطفلة التى حملت ملامحها واتزان ابيها مغايرة لبقية اخواتها الذين جاءوا من الرجل الثانى في حياه اخت جدتى.
تحكى جدتى:
انها لم يطل بها المقام وتزوجت سريعاً فنساء زمانها كن يتزوجن أولا لعائلتهن وكان ابيها يتمتع بسمعة طيبة وثراء واسع والرجل الذي تقدم كان ايضا من عائلة محترمة يحظى كل اخوانه بمراكز مرموق إلا هو لكنه ولانتمائه لهم قوبل بترحاب. وقد كانت له ايضاً زيجة سابقة اسفرت عن ابنة منكسرة تعاطفت معها كل العائلة والغريب ان طلاقهما كان لنفس الاسباب إلا انه كان يفوقها خفة عقل وسلامة طوية وقد يكون قبولها لعدم تقزم حالها امامه.. وكان الزواج إلا انها عانت كثيراً بعد ذلك من فقر حال بعد عز ابيها وزوجها الاول وبخل لم تعتاده في الحالين فكانت تحتال بافكارها مرة وخفة ظلها مرة ونفس طويل تعلمته من مشكلات أوقعها فيها وكانت تحاول الخروج او الهروب المهم ألا تقع فريسة لتقضيبة وجه او نكد تشعر به لذلك كنت تراها طول الوقت تطلق ضحكتها بجلجلة ترن في انحاء البيت الذي تتواجد فيه.. لذلك كانوا يتخطفونها وكأنها حجايا تجلب الفرح في البيت الذي تدخله وكثيراً ما كانت تثير عضبه عليها حتى يكون البادئ رغماً عنه ويجد نفسه مسئولا عن تركها للبيت لترحل بعيداً عن البيت والعيال ومسئوليه لا تجد غضاضة في تركها يومين او ثلاثة وحتى ان حاول التراجع والصلح فلا بد هى الفائزة في الحالين تخرج غاضبة فيستقبلها بيت خطط لذلك او تتراجع حرصاً علي الاولاد فتطاع مطالبها وتجاب شروطها للبقاء..تحكى جدتى عن احدى المرات التى كان يحاول فيها ارضائها وصلحها وكان هذا الصلح عبارة عن غدوة يجتمع عليها اهل البيت حولها يستمتعون بها وتسعد هى باللحمة التى لا تحدث إلا إذا كانت الغدوة محترمة لكنه استطاع ان يراوغ في مسوغات الصلح فباعد اولا بينه وبين الزفر (الطيور بانواعها) ثم نأى ثانياً بعيداً عن اللحم بأنواعه واختار مجازاً"أكلة كوارع" وهى ان كانت تحب حوائج الذبيحة (كوارع-فشة-وكرشة وممبار) إلا انه راوغ مرة اخرى وطلباً للتوفير وحتى لا يختل ميزان المصروفات والمدفوعات فقد كنت حوائج الذبيحة التى انتقاها من مخلفات خروف كان يعانى من انيميا حادة وبالتالي فحوائجه تكاد لا تبين حملته عنه واجمة متجاهلة تفاخره الساذج متمنية ألا ياتى علي الغذاء كما وعدها عل الطعام يكفى بطون أولادها الخاوية وفيما كانت تقوم بالطهى لا ترد ابداً يدا ممدودة او فم مفتوح تلقم هذا في فمه وتعطى تلك في يدها وتتضاحك فتملاْ طبق حتى فرغت هى والادها وأوانى الطبخ ولم تبق علي شئ يأكله صاحب الغدوة المحترمة.
لم تذكره إلا بعدانتهائها من المهمة لكنها لم تسمح لنفسها ان تتكدر أو تفقدها فرحة اللمة التى سعت اليها دثرت نفسها بغطاء ثقيل وربطت رأسها وطلبت كوب من الشاى وجلست تنتظره، أقبل ينادى عليها كما يفعل كل يوم يعلن قدومه لتنزل بنفسها لتحمل عنه دراجته التي يذهب ها الي عمله أمرت ابنته ان تنزل هى وتنعى له مرضها.. انزعج كثيراً وحزن علي مقدمات الصلح الذي ابداه وما تكلفه في الغدوة الرائعة دخل عليها يرقيها وهى تتململ في فراشها يهتز جسدها جزعاً وخوفاً وهو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويتسآل عما بها فتنطق بكلمة واحدة "طلقنى" يستعيذ بالله ويستعين بآال البيت وهى لا تلين طلقنى، يتسآل عما اقترفه فتبكى بحرقه وتقسم انه أتى لها بسقط ميت وسقط هذا ما كان يطلقونه علي حوائج الذبيحة فيقسم انه من الجزار في اخر الشارع وانه صابح وبخيره فما الذي يدعوها لهذا القول تنادى اولادها تشهدهم عما حدث والاولاد صامتون يتحاشون النظر الي ابيهم أو الي بعضهم البعض فهم يعلون انها تحاول انقاذهم من مشاجرة لا بد اتية.. وهى لا تنتظر ردهم ولا حتى ابيهم فهو يحاول ان يفهم ما تلقي به بين النهنهة والدموع التى تذرفها والهلع الذي يسيطر عليها فتقسم ان أرجل الخروف قد قفزت من الوعاء تدق الارض وتدبدب بقوة وتجرى نحوها وقد علا صوتها وتقول أنا الكوارع أنا الكوارع أنا العفريت المسارع فين باب البيت الحق بنتى في الشارع وطبعاً فتحنا لها الباب وانا أصرخ واجرى ويجرى وراءنا باقي السقط.. من بين شهقاتها الخافتة ترمقه بحذر فتلمح زهوله وقد فتح فمه ولم يستطع ان يغلقه او يسيطر علي رعشته وظل يرتجف هو الاخر بل ويؤمن علي كلامها أنه وهو يحمل السقط كان يخف ويثقل ويتحرك فينتفح فيملا صندوق العجلة وينقص ثانية وعند هذا الحد لم يستطع الرجل ان يتحمل واقسم الا يبيتوا ليلتهم في هذا البيت ولا اى ليلة اخرى للابد .وخسرت اخت جدتى شقة من اجمل الشقق التى ثكنت فيها... لكنى لا احسب انها تأثرت كثيراً لفراق شقتها الغالية فخسارتنا دائما تتحدد بأحساسنا بالخسارة فهى خسرت فعلا ام نحن من نشر بالخسارة في زمن عز فيه السكن حتى مع العفاريت
No comments:
Post a Comment